علمتني سورة

لو كان الناس بفكر واحد لما وُجد الإبداع.

« All Events

الفرق بين الفؤاد والقلب

يستخدم الكثير منَّا كلمة (القلب) وكلمة (الفؤاد)، وربما لا ندرك الفرق بين الكلمتين، بل ربما ظنَّ البعضُ أن الكلمتين تشيران إلى معنى واحد، ولكن آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تبيّن وتوضّح الفرق بينهما.

 

  • 1-القلب:

القلب في مصطلحات العلم الماديِّ هو أحد الأعضاء الأساسية في جسم الإنسان، وهو عضلة مجوفة في الإنسان والحيوان، وظيفته ضَخُّ الدّم عبر الأوعية الدموية إلى خلايا الجسم المختلفة لتزويدها بالغذاء والأوكسجين، ويساعد في التخلص من الفضلات الناتجة عن عملية الأَيْضِ، ويمثل أيضًا مركزَ العاطفة والمشاعر والرغبات.

أما في القرآن الكريم فقد ورد اسم (القلب) بمعنى الأداة الداخلية التي وظيفتها التَّعَقُّل، ومركزه الصدر.. القلب الذي يشيع ذِكْره والإشارة إليه في النّصِّ القُرآني لا يعني المُضْغَةَ التي تضخ الدم إلى الجسد، وسُمِّيَ قلبًا لكثرة تَقَلُّبِه، وهو يُعبِّر عن المعاني التي تَخُصُّ العلم والفهم والشجاعة وغير ذلك، قال تعالى: ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ الأحزاب:10، أي الخوف، وقال تعالى أيضًا: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ ق:37، أي علم وفهم، وقال تعالى: ﴿وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ التوبة:87، أي العلم، وقال تعالى: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ﴾ الأنفال:10، أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" رواه أحمد.

 

وقال بعض العلماء: إن القلب سُلطان يملك فارسًا هو (العقل)، وجوادًا هو (الفؤاد)، وصلاح هذه المملكة ودمارها يتحدّد عندما يركب أحدهما على الآخر.

وقال بعضهم: إن الفؤاد موجود في المخّ (الإدراك والتدبّر)، والقلب موجود في الصدر.

والخلاصة: أن الفؤاد هو آليَّة أو حاسة لإيصال العلم إلى لقلب مثله مثل السمع والبصر، ولكن أين مكانها؟ ربما كانت جزءًا من المخّ وعمله، والأمر يحتاج لبحث علمي.

 

2- الفؤاد:

لاحظ بعض العلماء أن الآيات التي ورد فيها (الفؤاد) أو (الأفئدة) تعطفها على السمع والبصر، أي: تعطف على الحاسة نفسها، لا على العضو الذي هو العين والأذن، فيمكننا القول إن الفؤاد هو إدراك القلب وحاسة القلب، وليس القلب نفسه.

 

 

 

3- الفرق بين الفؤاد والقلب:

قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحجّ:46، فهذا دليل واضح أن الفؤاد ليس محله الصدر فهو غير القلب، ويجب التمييز بينهما.

فقد ذكر الفؤاد بعد السمع والبصر دائمًا، ولكن القلب ذكر قبل السمع والبصر دائمًا، كما في قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ البقرة:7، وكما جاء في قوله تعالى: ﴿وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ الجاثية:23، وجاء ذكر القلب بعد السمع والبصر في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ الأنعام:46، وما جاء في سورة القصص برهان واضح يفرّق بين القلب والفؤاد؛ إذ قال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ القصص:10، وهذه الآية تشير إلى أن إلقاء موسى في اليّم من قِبَل أمِّه قد أصابها بصدمة من أثرها عليها أنها فقدت ذاكرتها وأصبح فؤادها فارغًا، بمعنى أن الفؤاد قد تعطل، بينما القلب ما زال كما هو، له اليد العليا في القضية.

كما أن في السنة النبوية أحاديث تبيّن الفرق، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ" رواه البخاري ومسلم، فقد أشار الرسول الكريم بالرقة إلى القلب، وباللين إلى الفؤاد.

وأشارت الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن الفؤاد في المخّ، وكل منطقة تتحكم في نوع من أنواع الأحاسيس، كالإحساس بالألم، والعاطفة، والغرائز (الجوع والعطش...).

ويبقى القلب الذي محله الصدر هو المسؤول عن الجوارح، فإن السمع والبصر والفؤاد هي من أدوات القلب، وهي ليست القلب بذاته، فكلاهما مختلف ووظائف كليهما مختلفة، ولكنهما كباقي أعضاء الجسم يكمل بعضها بعضًا لتقوم بكامل مهامه على أكمل وجه...

 

يقول الأستاذ الدكتور/ فاضل صالح السامرائي –حفظه الله–:

قال بعض العلماء: إن القلب هو الفؤاد، وبعضهم قال: لا، الفؤاد ليس القلب، وإنما هو غشاء القلب؛ لأن العربية دقيقة، تسمّي كل جزء باسمه، وهذا الذي يترجّح لدينا، أي: إن الفؤاد هو الغشاء وما في داخله؛ لأن أصل الفؤاد من التَّفَؤُّد، وهو التوقُّد والحُرقة، فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء، فلذلك استعمل هكذا في هذا المكان.

 

وقيل: القلب مقام نور الإيمان، والفؤاد مقام المعرفة، والصدر مقام نور الإسلام، واللُّبُّ مقام نور التوحيد.